تقوى الله عزّ وجل
حملة نباتاً حسناً
لقد ذكر الله تعالى كلمة التّقوى في القرآن الكريم كثيراً، وأمر عباده بها ، فقال سبحانه:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} ال عمران 102
وقال تعالى: {وَاتَّقُواْ الله وَاعْلَمُواْ أَنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم} البقرة 231
كما وصّانا رسول الله ﷺ بالتّحلّي بالتَّقوى لما لها من أهميّةٍ في حياة المسلم ، فقال ﷺ: ” اتَّقِ اللهَ حيثُما كنتَ، وأَتْبِعِ السّيئةَ الحسنةَ تَمْحُها، وخالِقِ الناسَ بخُلُقٍ حَسَن” صحيح التّرمذي للألباني 1987
فما معنى التّقوى وما أهمّيتها في حياة المسلم ، وكيف نربّي أولادنا عل التّقوى ، وما هي ثمارها؟
معنى التّقوى
التّقوى في اللّغة معناها الوقاية، والصِّيانة، والحفظ .
وتُعرّف التّقوى اصطلاحاً: بأن يلتزم المسلم أوامر الله تعالى ويجتنب ما نهى عنه، فيجعل المسلم بينه وبين ما حرّم الله وقاية ، يخاف الله تعالى فيَقِي نفسه من الوقوع في المعاصي .
ولقد عرّف سيدنا علي رضي الله عنه التّقوى فقال:
التّقوى هي : “الخوف من الجليل، والعمل بالتّنزيل، والرّضا بالقليل، والاِستعداد ليوم الرّحيل”.
يعني: الخوف من الله عز وجل، والعمل بالقرآن الكريم ، و القناعة بما قسّم الله ، و الاستعداد بالعمل الصّالح ليوم القيامة.
اذاً التّقوى أن تخاف الله تعالى في السّر والعلن، وتكثر من الطّاعات وتتجنّب الوقوع في المعاصي.
أهميّة التّقوى
* تظهر أهمية التقوى أنها وصية الله عز وجل لكلّ النّاس، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ… ﴾ النساء: 131
* التّقوى هي خير الزّاد.
أي هي خير ما يجمعه الإنسان ويدَّخره في حياته ليلقى به الله ، قال تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾ البقرة: 197
* التّقوى تحصين للمسلم
فالإنسان المسلم عندما يكون قلبه مليئاً بتقوى الله وخشيته، فإنّه يتوقّف عن فعل المعاصي ، ويتّخذ من العمل الصّالح حِصناً له.
* المساهمة في إتقان العمل
كما قال صلى الله عليه وسلم: “إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ”صحيح الجامع للألباني 1880
والتّقوى تساعد المسلم أن يؤدّي عمله وعباداته على أكمل وجه، لأنه يستحضر مراقبة الله له، فيجتهد ليقدّم أفضل ما لديه.
* التّقوى هي ميزان التّفاضل عند الله.
يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إنَّ الله عليمٌ خَبِير﴾ الحجرات ١٣
وقال النّبي ﷺ للنّاسِ في خطبتهِ في الحجِ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ : أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى، أَبَلَّغْتُ؟” البيهقي في شعب الإيمان 5137
فالأفضليّة عند الله هي ليست بما تملكه من مال أو نسب أو جمال أو سلطة، بل فقط بما تملكه من التّقوى. التّقيُّ هو الأفضل عند الله.
* التّقوى طريق للفوز والنّجاة.
فالذي يتّقي الله ويخافه فإنه يسلك طريقاً يؤدي به إلى الفوز بالجنّة ورضا الله، والنّجاة من النّار ومن غضب الله.
نماذج وأمثلة عن المتّقين
* وصيّة لقمان لابنه
كما جاء في سورة لقمان تلك الوصايا التربويّة الرّائعة التي يوصي لقمان بها ابنه ، وممّا أوصاه به أن يستحضر مراقبة الله دائماً: ﴿ يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ﴾. لقمان 16
أي يقول له: يابني اِعلم أنّ اللّه يعلم أدقّ التّفاصيل يعلم كلّ شيء حتّى أصغر الأشياء حجماً ووزناً كحبّة الخردل لا يغيب علمها عن الله مهما اختفت و أينما وجدت في الكون فهو كامل العلم و القوّة و القدرة سبحانه.
حبّة الخردل : حبّة صغيرة جدّا من نبات ، تستعمل في التّوابل والطّب.
فمن الجميل والمهم أن يهتمّ الآباء بتربية أبنائهم على هذه المبادئ، مبدأ التقّوى واستحضار مراقبة الله تعالى، واِفهام الطّفل أن الله مطلعٌ عليه ويعلم كلّ صغيرة وكبيرة، ويعلّموه خوف الله حبّا له .
فقد يتظاهر الطّفل بالصّلاة أمام والديه فقط لأنّ الأب يصرخ عليه ويعاقبه على ذلك، أو فقط لأنّ أمّه قالت له: إن كنت تحبّني فعليك أن تصلّي ، وأيضا سأعطيك هدايا ..، فيصلّي الطّفل فقط لأنّه محرجٌ من قولها وطمِعٌ في هداياها.
فلا الصّراخ والتّهديد من الأب ينفع ، ولا الاِستغلال العاطفي من الأم يحقّق لنا المطلوب.
فما نريده هو طفل له قناعة ذاتيّة أنّ الصّلاة هي جزء من حياته ، بها يجدد طاقته الإيمانيّة التي تنعكس إيجاباً على سلوكه. ولا يمكن أن يتظاهر بالصّلاة أمام والديه ويتركها إذا غابوا عنه.. لأنّ التّقوى التي في قلبه تمنعه عن فعل ذلك.
دائما نذكر الطّفل: يابني تذكر أنّ الله يراك.. يا بني لا تنس فضل الله عليك…
بالتّوجيه والحوار والقدوة وضرب الأمثلة.. والعقوبات المناسبة النّافعة، وربط الطّفل بالقرآن الكريم منذ نعومة أظفاره، والمصابرة وعدم استعجال النّتائج، وغير ذلك.. نساهم في بناء شخصيّة طفلٍ تحبّ الله وتخاف أن تقع في معصيته.
* قصّة بائعة اللّبن:
من الجميل أن نذكّر أبناءنا بهذه القصّة التي تعلّمنا معنى تقوى الله:
لمّا كان عمر ابن الخطّاب رضي الله عنه خليفة للمسلمين ، ذهب ذات ليلةٍ يمشي يتفقّد أحوال النّاس يسهر على حمايتهم، فاتكأ إلى جدار ليرتاح فسمع امرأة تقول لابنتها: قومي إلى هذا اللبن فاخلطيه بالماء، فقالت البنت: ألم تعلمي أن عمر بن الخطاب الخليفة نهى عن ذلك، قالت: إن عمر لا يرانا، وما يدري عمر أننا خلطنا اللبن بالماء، قالت: إن كان عمر لا يرانا فإن ربّ عمر يرانا”. هذه هي التّقوى، هذه البنت التّقيّة التي لم تنس أنّ الله يراها فامتنعَتْ عن فعل سلوكٍ خاطئ.
* الغلام الرّاعي الذي يخاف الله.
كما في الحديث لما خرج عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، إلى البر يوماً فرأى راعي غنم، فقال له: أعطني شاة، قال: ليست ملكاً لي، إنّها لسيّدي وأنا مُوَكل عليها في الرّعي أمانة عندي، (فأراد عبد الله بن عمر أن يختبر الرّاعي فقال له): قل لسيّدك: أكلها الذّئب، فقال الراعي: فأين الله؟ .
فأين اللّه؟ هذه الإجابة العظيمة من غلام صغير ،يعني : كيف أكذب؟ فأين الله أليس يراقبني، أليس يراني! أما أستحي منه! .
كم نحتاج إلى هذه الكلمة في حياتنا لنتوقّف عن الوقوع في أيّ معصية: “فأين الله”؟
ثمار التّقوى
* المتّقون ينالون معيّة الله
يكفي المتّقين شرفاً وعزّا أنّ الله معهم . قال تعالى ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ (البقرة: 194)، وقال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ النحل: 128
* المتّقون يحبّهم الله عز وجل
قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ التّوبة 4
وقال سبحانه : ﴿ بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ آل عمران: 76
* يغفر الله ذنوبهم
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ الأنفال: 29
* يفرّج همومهم ويرزقهم
قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ سورة الطلاق: 2، 3
* يتقبّل ُ الله أعمالهم الصّالحة
قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ المائدة: 27
* يُيَسّر الله أعمالهم
قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾ الطلاق 4
أي: من اتّقى الله يسر الله له الأمور، وسهل عليه كل أمر عسير.
* يحفظهم من كيد الأعداء ومكرهم
قال تعالى: ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴾ آل عمران: 120
* يدخلهم الجنّة، وينجّيهم من النار
قال تعالى: ﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴾ القلم: 34
وقال تعالى: ﴿ وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ الزمر: 61
وقال عزّ وجل: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾
آل عمران 133
طرق زيادة التّقوى
* الرّفقة الصّالحة
فالصّاحب ساحِب، وعلى الآباء أن ينتبهوا لأبنائهم مع من يذهبون ، ومع من يجلسون ، فقد يكون الاِبن صالحاً ولكن رفقة السّوء تؤثّر عليه وتجُرُّه للطريق الخاطئ.
* الإكثار من قراءة القرآن الكريم
فالمسلم عندما يُداوم على قراءة القرآن الكريم، يبقى قريباً من ربّه ، ويبقى في حمايةٍ ضمن الآيات التي يقرؤها ويتمعّن فيها، ويزداد في قلبه الخوف والرّجاء.
* الاِبتعاد عن الأماكن التي قد تسبّب الوقوع في معصية الله
أيّ مكان يرى المسلم أنّه سيسبّب له الوقوع في المعاصي، وسيسبّبُ له سواداً في قلبه، فلا داعي أن يذهب إليه أبداً، ليحرص على نقاء قلبه واستقامة سلوكه، فتجنّب المعصية هو أصعب من كسب الحسنة، لأن طرق المعاصي كثيرة وسهلة ومنتشرة في كلّ مكان، لذلك لا يتجنّبها إلا من يتقّي ربّه.
* مجاهدة النّفس
تذكير النّفس باستمرار أنّ الله مطّلع علينا وأنّنا سنحاسب على كلّ صغيرة وكبيرة، ونذكر أنفسنا دائما بأنّ الغاية الكبرى من وجودنا هي عبادة الله ونيل رضاه، لذا علينا الصّبر وتحملّ الصّعاب كي نكون من المتّقين.
* الإكثار من الدّعاء
أن يكثر المسلم من دعاء ربّه أن يثبّته على الدّين، وأن يوفّقه لطاعته ، ويرزقه التّقوى،كما كان رسول الله ﷺ يدعو فيقول : “اللهم آتِ نفسي تقواها، وزكّها أنت خير من زكّاها، أنت وليّها ومولاها” صحيح مسلم 2722
والحمد لله ربّ العالمين
هذا النشاط جزء من حملة نباتاً حسناً