حملة نباتاً حسناً
لقد أودع الله عزّ وجل في رسوله الكريم وجمع فيه كلّ مكارم الأخلاق، وكلّ الخصال الحميدة وكل معاني الصَّّفاء والإحسان.
وَوصفه وصفاً بليغاً، فقال سبحانه : ” وإنّك لعلى خلق عظيم”. الآية 4/ سورة القلم.
ونذكر هنا بعضاً من أخلاقه النَّبيلة ﷺ لنستفيد منها ونقتدي بها في حياتنا ونعلمها لاطفالنا ليقتدوا بها.
الصدق
لقد عُرف النَّبي صلى الله عليه وسلم بالصّدق، قبل البعثة وبعدها، كان متميّزا بصدقه وأمانته يعرفه الصّغير والكبير.
وبعدما بعثه الله بالرّسالة حاول الكفّار أن يتهموه بالجنون والسّحر ولم يستطيعوا أن يتهموه بالكذب لأنّهم كانوا يعرفونه صادقاً دائماً.
قال تعالى ﴿ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ﴾ الأنعام 33.
كان صادقاً مع ربّه وصادقا مع نفسه وصادقاً مع النّاس، صادقاً حتّى مع الأعداء، لا يعرف الكذب واللّف والدوران، يقول الحق ولا يخشى أحداً إلا الله.
الامانة
اتّصف صلّى الله عليه وسلّم بالأمانة، في جميع أُمور حياته، سواءً قبل البعثة أو بعدها، فقد أطلق عليه قومه لقب الأمين قبل بعثته، وكان الحكم بين قبائل قريش حينما اختصموا في وَضْع الحجر الأسود، كما أنّ زواجه من أمّ المؤمنين خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- كان لأمانته، إذ كان يعمل قبل البعثة بالتجارة، وعُرف بين التُّجار بأمانته، وصِدْقه بالحديث، وأخلاقه الحميدة، ومن أمانته بعد البعثة؛ تبليغه للرسالة التي كلّفه الله -تعالى- بها كاملةً، وتحمّل وعانى التعب والمشقّة في سبيل تبليغ الرسالة، وكان حريصاً على أداء الأمانة، وإرجاع الودائع إلى أصحابها، فقد كانت قريش تضع أماناتها عنده.
الكرم
كان صلى الله عليه وسلّم كريماً مِعطاءً لا يردّ سائلاً رغم فقره.
وكان يُعطي كلّ ما يملك ويكرم المسلمين وغير المسلمين.
كما في الحديث جاء رجل إلى رسول الله ﷺ يسأله عطاءً، فأعطاه غنماً سدّت ما بين جبلين، فرجع إلى قومه وقال لهم: أسلموا فإنّ محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة . – (أي من لا يخاف الفقر أبدا). – صحيح مسلم ( رقم 2312 ).
سبحان الله هل يوجد من يعطي هذا العطاء ولا يُبقي لنفسه شيئا! أعطى لرجلٍ لا يعرفه، قَطيعاً من الغنم ما يملأ بين الجَبَيلن ، يعني مئات من الغنم .. لا يفعل هذا إلا رسول الله، لذا تأثر الرّجل بكرم النّبي ﷺ فأسلم وذهب إلى قبيلته وأخبرهم أن يدخلوا في دين الإسلام جميعا.
ويروي أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يقول: خَرَجْتُ لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي وَحْدَهُ، وَلَيْسَ مَعَهُ إِنْسَانٌ، قَالَ: فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَكْرَهُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَهُ أَحَدٌ، قَالَ: فَجَعَلْتُ أَمْشِي فِي ظِلِّ القَمَرِ أَيْ: فِي الْمَكَانِ الَّذِي لَيْسَ لِلْقَمَرِ فِيهِ ضَوْءٌ لِيُخْفِيَ شَخْصَه، وَإِنَّمَا اسْتَمَرَّ يَمْشِي لِاحْتِمَالِ أَنْ يَطْرَأ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَاجَةٌ فَيَكُونُ قَرِيبًا مِنْهُ، فَالْتَفَتَ فَرَآنِي، فَقَالَ: «مَنْ هَذَا»، قُلْتُ: أَبُو ذَرٍّ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، تَعَالَهْ» قَالَ: فَمَشَيْتُ مَعَهُ سَاعَةً فِي حَرَّةِ المَدِينَةِ – مَكَان مَعْرُوف بِالْمَدِينَةِ مِن الْجَانِبِ الشَّمَالِيِّ مِنْهَا – فَاسْتَقْبَلَنَا أُحُدٌ، فَقَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ» قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «مَا يَسُرُّنِي أَنَّ عِنْدِي مِثلَ أُحُدٍ هَذَا ذَهَبًا، تَمْضِي عَلَيَّ ثَالِثَةٌ أَيْ: – تمرُّ عليَّ ثلاثة أَيَّام – وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ، إِلَّا شَيْئًا أَرْصُدُهُ لِدَيْنٍ . ” رواه البخاري 2388.
صلى اللّه عليه وسلّم يقول لو كان يملك مثل جبل أحدٍ ذهباً لأنفقها كلّها في سبيل الله ، ولا يترك منها شيئاً إلا ما يخبئه لسداد دَيْنِه.
وتروي لنا عائشة رضي الله عنها أنَّهم ذبحوا شاةً، فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ، ما بقيَ منْها ياعائشة ؟ قلتُ ما بقيَ منْها إلَّا كتفُها . قالَ : بقيَ كلُّها غيرَ كتفِها.” صحيح التّرمذي للألباني /2470.
فيعلّمنا النّبي ﷺ أنّ ما ننفقه وما نكرم به النّاس هو الباقي أجره عند الله.
الصبر
إنّ الحديث عن صبره ﷺ، هو في حقيقة الأمر حديثٌ عن حياته كلّها ، وعن سيرته بجميع تفاصيلها وأحداثها ، فحياته صلى الله عليه وسلم كلّها صبر ومصابرة ، من أجل تبليغ دين الله.
فقد صبر على أذى المشركين كثيرا، كما روى البخاري في الحديث، أن عروة بن الزبير سأل عبد الله بن عمرو بن العاص عن أشد شيءٍ صنعه المشركون بالنّبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : بينَا النّبي صلى الله عليه وسلم يُصلي في حجر الكعبة ، إذ أقبل عقبة بن أبي معيط ، فوضع ثوبَه في عنقه فخنقه خنقا شديدا ، فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبه ، ودفعه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال : أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ؟ .”صحيح البخاري 3678.
وفي يوم من الأيَّام كان عليه الصّلاة والسلام يصلي عند البيت ، وأبو جهل وأصحابٌ له جلوس ، فقال بعضهم لبعض: أيّكم يجيءُ بسلى جزور بني فلان – سلى جزور: أي فضلات النّاقة بعد ولادتها – فيضَعه على ظهر محمد إذا سجد ، فانبعث أشقى القوم فجاء به ، فانتظر حتى سجد النّبي صلى الله عليه وسلم فوضعه على ظهره بين كتفيه ، فجعلوا يضحكون ويميل بعضهم على بعض ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد لا يرفع رأسه ، حتى جاءته فاطمة فطرحت عن ظهره الأذى” .. صحيح البخاري 240.
وعندما ضاق به الحال في مكة ذهب إلى الطّائف ليدعوهم للإسلام ، فلم يستجيبوا له وأرسلوا صبيناهم يضربونه بالحجارة ، فرجع إلى مكّة وهو مهموماً، وتوفيّ عمه الذي كان يدافع عنه، وتوفيّت زوجته خديجة التي كانت سنداً له. فكان صبوراً محتسباً.
ويحاصَرُ هو والمسلمون ثلاث سنوات ويصبرون على الجوع والأذى ، وعندما أراد الهجرة إلى المدينة حاول الكفّار قتله.
وبعد هجرته لم يكن يخرج من غزوة إلا ويدخل في أخرى ، حتى شُجَّ وجهه الشّريف ، وكسرت رباعيته- أسنانه- ، واتُّهم في عرضه ، ولحقه الأذى من المنافقين وجهلة الأعراب ، ورغم ذلك بقيَ ثابتاً صابراً لم يتزحزح عن دين الله.
العدل
كان صلى الله عليه وسلّم رمزاً للإمام العادل ، يعطي النّاسَ حقوقها ، ولا يفرِّق بينهم، يعدل بين جميع النّاس ، ويعلّمهم العدل.
وقصّة المرأة المخزوميّة التّي سرقت هي خير دليل على قمّة عدله صلى الله عليه وسلّم، حيث أحزن قريشاً شأنها، فقالوا ومن يُكلم فيها رسول الله؟- يعني من يدافع عنها ويشفع لها عند رسول الله- قالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حبيبه؟ أي أنّه ﷺ يحبّ أسامة ولن يردّ له طلبا- فكلمه أسامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتشفعُ في حدّ من حدود الله؟ ثم قام فخطب، وجاء في خطبته قوله: إنّما أهلك الذين من قبلكم أنّهم كانوا إذا سرق فيهم الشّريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضّعيف أقاموا عليه الحد، وأيّم الله لو أنّ فاطمة بنت محـمد سـرقت لقطع محمدٌ يدها . ” صحيح البخاري 6788 .
التسامح
كان ﷺ إنساناً مُسامحاً حليماً عفُوّاً، وقد وصفته أمُّنا عائشة رضي الله عنها فقالت: ” «لم يكن فاحشاً، ولا متفحشاً، ولا صخّاباً فى الأسواق، ولا يَجْزي بالسّيئة السّيئة، ولكن يعفو ويصفح.” سنن التّرمذي رقم 2016.
وقد سامح النّبي ﷺ المرأة اليهوديّة التي أهدته الشّاة المسمومة .
ولقد عفا عن أهل الطّائف وسامحهم ، لمّا ذهب إليهم ليدعوهم إلى الإسلام ، فآذوه كثيرا، فأرسل الله عز وجل إليه المَلَك لكي يأذن له أن يُطْبِق على الذين ظلموه الجبال فيهلكهم، لكنّ صاحب القلب الكبير صلى الله عليه وسلم رفض ذلك، وقال: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا.
وتظهر سمحاته وسموّ خلقه يوم فتح مكة: حيث خاف الكفار من أن ينتقم منهم الرسّول ﷺ ويقتلهم، فجمعهم وقال لهم: (ما تظنون أني فاعل بكم؟!)،فأجابوه قائلين :” أخٌ كريم وابن أخ كريم”.
فقال لهم ﷺ: لا أقول لكم إلا كما قال يوسفُ لإخوته: لا تثريبَ عليكم اليوم؛ اذهبوا فأنتم الطُّلَقاء.
وهو القائل ﷺ:” ما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عِزًّا”. صحيح مسلم 2855 .
فالذي يعفو ويصفح يرفعه الله ويعزه في الدنيا والآخرة.
التواضع
كان صلّى الله عليه وسلّم أرفع النّاس قدراً وأكثرهم تواضُعاً ، لم يكن يتكبّر على أحد ، ولم يكن يتكبّر على خدمة أهله ، ولا مساعدة النّاس.
وقد سأل رجلٌ عائشة رضي الله عنها : هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل في بيته ؟، قالت : نعم . كان النّبي ﷺ يخصف نعله ، ويخيط ثوبه ، ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته . 5759 هداية الرواة / الألباني.
وكان ﷺ، يواسي النّاس ويساعدهم في قضاء حوائجهم. وإذا مرّ على الصّبيان والصّغار سلّم عليهم، ويداعبهم بكلمةٍ طيبة، ويلاطفهم بلمسة حانية.
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم متّكئاً على عصاً ، فقمنا له ، فقال : لا تقوموا كما يقوم الأعاجم ، يعظِّم بعضهم بعضاً” . البيهقي في شعب الإيمان.
خلق التّواضع كانً ملازما له صلى الله عليه وسلّم في حياته كلّها، في جلوسه ، وفي ركوبه ، وفي أكله ، وفي عمله ، في مشيته، كان متواضعا ويأمر النّاس بالتّواضع ويقول لهم : ” ما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله “. صحيح مسلم2588 .
الشجاعة
قال أنس رضي الله عنه: “كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم أحسن النّاس، وأجود الناس، وأشجع الناس” . رواه البخاري 3040/ مسلم 2307.
فقد كان ﷺ شجاعاً في قول الحقّ يبلغ دين ربّه ولا يخاف من المشركين، وكان في كلّ الغزوات يتقدم الجميع ويسير في الأمام ويبدأ بمحاربة الأعداء، وكان الصّحابة يحتمون به وهو يُشجعهم ، خاصّة في غزوة حنين حيث هرب بعض المسلمين من أرض المعركة ولكنّ الرّسول ﷺ بقي ثابتاً ولم يهرب، فلقد كان على بغلتِه و أبو سفيان بن الحارث آخذٌ بلجامِها والنّبي صلى الله عليه وسلم يقول بصوت عالٍ : أنا النّبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب” . صحيح البخاري 4316.
فهو الشجاع الذي علّم النّاس الشّجاعة في محلّها وموضعها،حيث تقول عائشة رضي الله عنها : ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده شيئا قط، ولا امرأةً ولا خادما، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نِيل منه شيءٌ قط فينتقم من صاحبه إلا أن يُنتهك شيءٌ من محارم الله فينتقم لله عز وجل “صحيح مسلم 2328 / . بل بشجاعته كان يدافع عن الضّعفاء والمظلومين.
7. كان قويّا:
وكان يتّصف ﷺ بالقّوة مع الحكمة ، كان قويّ الشخصيّة حليماً يوازن الأمور، والإسلام يحتاج للمؤمن القوي ، لذلك كان ﷺ يمتلك قوّة في الجسم يهتم بصحته وسلامته، وقوّةً في الصبر على تحمل المشاق، وقوّة على الوقوف طويلًا بين يدي الله تعالى في الصلاة، وقوّة في مواجهة الابتلاءات ومصاعب الحياة.
وفي غزوة الخندق استطاع أن يكسّر الصَّخرة بالمِعول بعدما عجز الصّحابة عن تحطيمها.
وكان قويّاً يملك نفسه عند الغضب ولا يصرخ ولا يرفع صوته.
باختصار كان ﷺ ليّـنًا من غير ضعف، و قويًا من غير عنف.
البشاشة
وعن عبدالله بن الحارث، قال: ((ما رأيت أحدًا أكثر تبسمًا من رسول الله صلى الله عليه وسلّم” . سنن التّرمذي 601/5.
قال السّهيلي: “وكان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم مُشرقًا بسَّامًا ” .
الرّوض الأنف/5/276″ .
فقد كان سيّدنا محمد مبتسماً بشوشاً دائماً، وعلّمنا أنّ البسمة لها آثارٌ طّيبة، تغرس الأُلفة والمحبّة، وبها نكسب الأجر .فقال عليه والسّلام: (وتبسمك في وجه أخيك صدقة) . أخرجه التّرمذي 1956.
وكان ﷺ إذا رأى أحداً من أصحابه مهموماً يحاول أن يخفّف عنه ويضحكه.
فالتّبسّم وسيلةٌ لِتخفيف هموم وأحزان النّاس، والتّرفيه عن نفوسهم وتسليتها، لِقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (وأَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سُرُورٌ تُدخِلُهُ على مُسلِمٍ، أو تَكشِفُ عنهُ كُربةً” . صحيح الجامع 176.
الرحمة
قال الله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ الأنبياء: 107.
فهو عنوان الرّحمة والعطف ﷺ ، رحيما بأهله ، رحمياً مع النّاس ، رحيماً بالصّغار والكبار ، ورحيماً حتّى بالحيوان ، لا يؤذي أحدا أبدا.
وبهذا الخُلق العظيم دخل النّاس في دين الله أفواجا.
وجاء أعرابيٌّ إلى رسول الله ﷺ فرآه يُقبّل الحسن بن علي رضي الله عنهما فتعجّب الأعرابي وقال : ” تُقبلون صبيانكم ؟ فما نُقبلهم ” فرّد عليه النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً : أَوَ أملكُ لكَ أن نزع الله من قلبك الرّحمة!؟” صحيح البخاري 5998.
يعني ماذا أفعل لك إن نزعت الرّحمة من قلبك! .
ثم قال ﷺ : لا يرحم الله من عباده إلا الرّحماء “صحيح البخاري5655/.
وكان إذا دخل في الصّلاة فسمع بكاء الصبيّ ، أسرع في أدائها وخفّفها ، فعن أبي قتادة عن النّبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: ( إنّي لأقوم في الصّلاة أريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء الصّبي ،فأتجوّز في صلاتي – أي أسرع-، كراهية أن أشقّ على أمّه) .صحيح البخاري 868/. فهذا من رحمته ﷺ يفكر بالأم وطفلها .
وكان يحمل الأطفال ، ويصبر على أذاهم ، فعن عائشة أم المؤمنين أنّها قالت: ( أُتِيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبي ، فبَالَ على ثوبه ، فدعا بماء ، فأتبعه إياه”). – أي طلب الماء ونظف بول الصبي فقط بكل رحمة وسرور “).صحيح البخاري 222.
– ودخل النّبي صلّى الله عليه وسلم ذات مرة بستاناً لرجل من الأنصار ، فإذا فيه جَمَل ، فلما رأى الجملُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ذرفت عيناه ، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح عليه حتى سَكن ، فقال : لمن هذا الجمل؟ فجاء فتًى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله ، فقال له: أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملّكك الله إياها ؛ فإنّه شكا لي أنّك تُجِيعه وتُتعبه” .2549 صحيح أبي داوود. فكانت رحمته تشمل الرّفق بالحيوان أيضا.
الوفاء
لقد علّمنا صلّى الله عليه وسلّم الوفاء بالعهد ، والوفاء بأداء الأمانات، فقد بقيَ وفيّاً لربّه يُبلغ رسالة الإسلام حتّى مات ﷺ .
وكانَ وفيّا لمن أحسن إليه ، خاصّة وفاؤه للسيدة خديجة رضي الله عنها ، لم يتزوج أي امرأة أخرى في حياتها حتّى ماتت ، وبقي وفيّا لها يذكرها بالخير دائماً، ويكرم صديقاتها ويرسل لهنّ الهدايا.
فعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُتِيَ بِالشَّيْءِ يَقُولُ: ((اذْهَبُوا بِهِ إِلَى فُلَانَةٍ؛ فَإِنَّهَا كَانَتْ صَدِيقَةَ خَدِيجَةَ، اذْهَبُوا بِهِ إِلَى بَيْتِ فُلَانَةٍ؛ فَإِنَّهَا كَانَتْ تُحِبُّ خَدِيجَةَ)). صحيح الأدب المفرد/ 172.
والقِلادة التي أبكت الرَّسول ﷺ هي أعظم دليل على وفائِه للسيّدة خديجة رضي الله عنها وأرضاها، فبعد انتهاء غزوة بدر ، بعث أهل مكة ما يفتدون به أسْراهم ، وكانت زينب بنت رسول الله بعثت قلادةً لتفتدي بها زوجها أبا العاص من الأسر – وكان حينها لم يسلم بعد – فلمّا رأى رسول الله ﷺ القلادة بكى وتذكر خديجة رضي الله عنها ، وعرف أن القلادة لابنته زينب لأن أمّها خديجة كانت أهدتها لها. فقال ﷺ للصّحابة “إن رأيتم أن تطلقوا لها أسِيرها وتَرُدُّوا عليها الذي لها. فقالوا: نعم” ، -( تخريج المسند شعيب الأرناؤوط 26362/) . يعني إذا شئتم أن تطلقوا سراح زوج زينب وتردوا لها قلادتها، ففعل الصحابة ذلك.
-ووفاؤه للأنصار أهل المدينة الذين استقبلوا رسول الله ﷺ ونصروه، وذلك بعد أن وصلت لرسول الله ﷺ بعض الغنائم فوزعها على المهاجرين الذين تركوا كل شيء في مكة ، ولم يعطي الأنصار تلك المرّة من الغنائم ، فبدأ بعض الأنصار يتكلمون بأنّهم لم يعط لهم شيء، فسمع ذلك رسول الله ﷺ وحزن، فجمع الأنصار وخطب فيهم ، وكان مما قال:”
أَفَلَا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللهِ فِي رِحَالِكُمْ؟ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الْأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ شِعْبًا، وَسَلَكَتِ الْأَنْصَارُ شِعْبًا، لَسَلَكْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ، اللهُمَّ ارْحَمِ الْأَنْصَارَ، وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَارِ، وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ))، قَالَ: فَبَكَى الْقَوْمُ، حَتَّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ، وَقَالُوا: رَضِينَا بِرَسُولِ اللهِ قِسْمًا وَحَظًّا” ) . تخريج المسند / شعيب الأرناؤوط 11730).
فهنا ذكّرهم رسول الله ﷺ بأنه لم ينس فضلهم وأنّه يحبهم وَوفيٌّ لهم، فإن أخذ النّاس الغنائم أفلا يكفيكم أنتم أن تفوزوا برسول الله، فبكى الأنصار وتأثروا من كلام رسول الله ﷺ.
الحياء
قال صلى الله عليه وسلم: “الحياء مِن الإيمان”، و”الحياء خير كله”.( صحيح مسلم 37).
كان رسول الله ﷺ يتّصف بالحياء ، فكان يستحيي من ربّه فيكثر من الحسنات ، ويستحيي من ربه أن يراه في مكان لا يرضي الله.
وكان يجلس بأدب وحياء ويستحيي من عثمان بن عفان ، ويقول : ” ألا أستحيي من رجل تستحيي منه الملائكة”. ( صحيح الأدب المفرد 471).
وجاءت امرأةٌ تسألُ النّبي صلى الله عليه وسلّم عن غسلها من المحيض فأمَرَها كيف تغتَسِلُ، قال: خُذي فِرْصةً منِ مِسكٍ فتطَهَّري بها، قالت: كيف أتطَهَّرُ؟ قال: تطَهَّري بها! قالت: كيف؟ قال: سُبحانَ اللهِ! تطَهَّري! ” ( صحيح البخاري 314). فاستحيَى رسول الله ﷺ فأخذت عائشة رضي الله عنها المرأة وعلّمتها كيف تفعل.
وفي ليلة الإسراء والمعراج لمّا فرضت الصلاة، وكان كلما ينزل يقول له موسى عليه السّلام ارجع فاسأل ربك التخفيف في فرض الصّلاة.. ولما صارت خمس صلوات ، وطلب منه موسى عليه السّلام أن يراجع ربّه من أجل التخفيف أيضا .قال له عليه الصّلاة والسّلام : ((استَحْيَيتُ مِن رَبِّي)) .رواه البخاري (349).
التوكل
التوكل هو الثقة بالله، وصدق التوكل أن تَثِق بالله وفيما عند الله، فإنه أعظم وأبقى.
وكان عليه الصّلاة والسّلام دائم التّوكل على الله مع اتخاذ الأسباب، يلجأ إلى ربّه في كلّ شيء ويستعين به في كلّ أعماله.
-وهجرته صلّى الله عليه وسلّم هي نموذج على حسن توكلّه على الله، حيث اتخذ بعض الأسباب ووضع خطة للهجرة، وسلّم أمره لله.
ولمّا اختبأ في الغار ، جاء الكفار يبحثون عنه ووصلوا إلى الغار، فيقول له رفيق دربه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، يارسول الله :لو أنَّ أحدَهم نظَر إلى قَدَميْه، لأبصَرنا تحت قدَميه، فقال: ((يا أبا بكر، ما ظنُّك باثنين الله ثالثهما)). صحيح البخاري 3653 .
فيذكّره بالثقة بالله واليقين به ، ويقول له: ” لا تحزن إنّ الله معنا” .
وكان قبل أن يخرج إلى أي غزوة من غزواته يَبيتُ الليل يدعو ربه ويتضرع إليه ويسأله التوفيق، ثم يخرج متوكّلا على الله حق التوكل.
وهو الذي علّمنا أن ندعوَ دائما بهذا الدّعاء :” اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لى ما قدمت وأخرت وأسررت وأعلنت، أنت إلهى لا إله إلا أنت ” صحيح البخاري( 7499).
*اللهم صلّ وسلّم على سيدنا محمد و خلقّنا بأخلاقه وأدِّبنا بآدابه*
هذا النشاط جزء من حملة نباتاً حسناً