المُلوك مقالةٌ أعجبتني جدّاً…عنوانُ هذهِ المقالة: المرحلةُ الملكيّةوهي للدكتور خالد بن صالح المنيففقمتُ بصنعِ نشاطٍ خاصٍّ لها مع الأطفالِ، إليكم المقالةَ أوَّلاً ثمَّ النَّشاط. “المرحلةُ الملكيّة”للدكتور خالد المنيفمع تصرُّمِ السِّنين وتوالي الأعوامِ سيصلُ بعضُ البشرِ لمرحلةٍ منَ النُّضجِ تُدعَى (المرحلةَ الملكيّة)، وكلمةُ (الملكيّةِ) ترمزُ إلى أمرينِ جميلينِ:أوَّلُها: فخامةُ المرحلةِ وروعتُها.والأمرُ الثّاني: يعني أنَّ حياتَك ستكونُ مِلكاً لك، وستَهنأُ فيها بممتلكاتٍ واسعةٍ من الفرحِ وراحةِ البال! هي (مرحلةٌ) يمتلكُ فيها الإنسانُ حياتَه، (مرحلةٌ) تتَّسِعُ فيها المداركُ، وتبعدُ فيها النَّظرةُ، ويتَّسعُ فيها الصَّدرُ.إنَّها (مرحلةٌ) تتشكَّلُ بعدَ جملةٍ من الخبراتِ، وسلسلةٍ من التَّجارب، وكمٍ من المواقفِ يتعاملُ صاحبُها معها بعقلٍ واعٍ وفكرٍ يَقِظٍ، فيتعلَّمُ منها أشياءَ جميلةً وإن أتَتْ مُتأخِّرةً! ولكنْ أنْ تصلَ مُتأخِّراً خيرٌ لك من أنْ لا تصلَ! * في (المرحلةِ الملكيّةِ) لن تتورَّطَ في (جدالاتٍ) تافهةٍ، ولن تُستدرَجَ لمعاركَ صغيرة، ولن تَبذلَ جهداً على ما لا يستحقُّ من مواضيع، وإن وجدتَ نفسَك قابعاً في مستنقعِ جدلٍ سقيمٍ، فستلتزمُ الصَّمتَ، ولن تصرفَ دقيقةً في إقناع مَن لا يريدُ أن يفهم! أو في محاولاتِ تعديلِ مسارِه! ولسانُ حالِك يقولُ: لن أضيِّعَ وقتي عليك، ذاك اختيارُك وأنتَ المسؤولُ! * في (المرحلةِ الملكيّة) لن تعطيَ تَوافِهَ الأمورِ أكثرَ من قَدْرِها؛ لن يزعجَك صوتُ طفلٍ، ولن يقضَّ مضجعَك سَكْبُ العصيرِ على السَّجّاد، ولن يُكدِّرَ مزاجَك زِحامُ الشَّوارع، ولن تحرقَ أعصابَك كلمةٌ نابيةٌ من سقيم، ستعرفُ حينَها أنَّ كلَّ الأمورِ تُوافِهُ، ولا شيءَ يستحقُّ الاهتمامَ سوى طاعةِ الله! * في (المرحلةِ الملكيّة) لن تؤجِّرَ عقلَك لأحدٍ، ولن تجعلَ مَن حولَكَ يُفكِّرُ عنك، أحكامُك على الآخرينَ أنتَ مَن يُقرِّرُها، وستُصدِرُ أحكاماً مُنصِفةً عادلةً، لا عَجَلةَ فيها ولا اندفاع! * في (المرحلةِ الملكيّة) عندما تُبتلَى بكاذب؛ لن تَتحرَّكَ فيك شعرةٌ، ولن تَنْبِسَ ببِنْتِ شَفَةٍ، ولن تَحشُدَ الأدلّةَ والقرائنَ لإثباتِ كَذِبِه، بل ستقولُ: كذبُه عليه، ووقتي أثمنُ من معالجةِ أمرٍ لا يُقدِّمُ ولا يُؤخِّر! * في (المرحلةِ الملكيّة) ستدركُ أنَّ الهدايةَ بيدِ ربّ العالمين، وأنَّك لا تهدي مَن أحببتَ؛ فبعضُ الناسِ قدرُه أن يكونَ جاهلاً، وبعضُهم قدرُه أن يكونَ عَالةً على الآخرين، وبعضُهم قدرُه أن يغرَقَ في مُستنقَعِ الغَواية، ولو صببتَ المواعظَ عليه صبّاً، ستدركُ حينَها أنَّ الجهدَ عليك، والتَّوفيقُ بيد ربّ العالمين! * في (المرحلةِ الملكيّة) لن تُهدِرَ ما تبقى من عمرِكَ في البحثِ عن «الأحسنِ» و«الأروعِ» و«الأجمل»؛ لأنَّك أدركتَ أنَّك عندها ستتجمدُ عند موقفِ الانتظارِ اللانهائيِّ! بل ستَقبَلُ في (المرحلةِ الملكيّة) بـ «الحسنِ» و«المقبولِ» و«الجميل»؛ لكي تجدَ نفسَك بعدَ حينٍ في موضعٍ أفضلَ قليلاً أو كثيراً، ممّا كان عليه. * في (المرحلةِ الملكيّة) ستدركُ أنَّك المسؤولُ تماماً عن صحَّتِك وعن كلِّ شؤونِ حياتِك، وستعرفُ حينَها أنَّه لن يحملَ أحدٌ عنك همّاً، ولن يقاسمَكَ شخصٌ سهراً، ولن يتبرَّعَ أحدٌ بأخذِ المرضِ عنك! لذا لن تكونَ حلقةً أضعفَ بينَ شريكِ الحياةِ والولد.* في (المرحلةِ الملكيّة) لن تعملَ بنظامِ الشَّمعةِ المحترقةِ، ولن تجعلَ نفسَك شخصاً من الدَّرجةِ الثَّانية، بل ستعتني بنفسِك وتدلِّلُها وتقدِّمُها دونَ أنانيةٍ أو هضمٍ لحقوقِ مَن حولَك. * في (المرحلةِ الملكيّة) ستدركُ كم هي كريمةٌ الحياةُ، لكنَّها تحتاجُ منك فقط أن تكونَ طاهرَ القلبِ مُبادِراً مُتحرِّكاً مُتوكِّلاً على الله، وبعدها ستنهالُ عليك الهِباتُ من كلِّ مكان! * في (المرحلةِ الملكيّة) ستدركُ أنَّ خيارَك الوحيدَ أن تكونَ مُحِبّاً، محبّاً لربِّك، لذاتِك، للخيرِ، مُحبّاً للبشريّةِ، فمَن يَزرَعِ الحبَّ يَجني الحياة! * في (المرحلةِ الملكيّة) لن تبخسَ نفسَكَ حقَّها، ستَلوي زِمامَها دونَ اضطهادٍ أو تحقير، وستعرفُ حينَها أنَّ السَّعادةَ والنَّجاحَ يَعتمدانِ على مناقشةِ النَّفسِ وتقويمِها دونَ تَسلُّطٍ وتصغير! فنفسُك جديرةٌ بالحبِّ والتَّقدير. * في (المرحلةِ الملكيّة) ستدركُ أنَّ الحالَ لا يدومُ، وأنَّ الألمَ يزولُ، وأنَّ الوجعَ ينتهي، وأنَّ الظُّلمَ يُرفَعُ، ستدركُ في تلكَ المرحلةِ أنَّه ليسَ في الحياةِ مواقفُ ولا مشاهدُ ولا نَكباتٌ ميؤوسٌ منها؛ فالحالاتُ التي لا يُرجى الخلاصُ منها ولا يُتوقَّعُ الانفكاكُ مِن تَبِعاتِها نادرةٌ جدّاً! * في (المرحلةِ الملكيّة) لن تَتبَّعَ أخبارَ النَّاس، ولن تَتقَصَّى أحوالَهم؛ لا يهمُّكَ إن كانوا قد سافروا أو لم يسافروا, ماذا أكلوا وما هيَ سيّارتُهم؟ أينَ يَسكنون؟ فكلُّها أمورٌ لا تُقدِّمُ ولا تُؤخِّر! * في (المرحلةِ الملكيّة) لن تهتمَّ إلّا بنفسِكَ، ولن يشغلَك إلّا إصلاحُها! وفي هذه المرحلةِ الجميلةِ (المرحلة الملكيّة) لن تُقارِنَ نفسَك بأحدٍ، بل ستعيشُ حياتَك كما كَتَبَ اللهُ لك، لا مَدّاً للعينِ ولا استنقاصاً من نِعَمِ الله, بل آخذاً لما وهبَكَ الله، وشاكراً له عليها! وفي (المرحلةِ الملكيّة) ستدركُ أنَّ حياتَك رهنُ تفكيرِك؛ فالتَّغييرُ مَنُوطٌ بتغيرِ طريقةِ التَّفكيرِ، وليس بتغييرِ بيئةٍ أو بامتلاكِ مالٍ أو بترقيةٍ في وظيفةٍ! * في (المرحلةِ الملكيّة) ستدركُ أنَّ البشرَ ليسوا ملائكةً؛ ففيهم سيِّئُ الخُلُق، ومنهم قليلُ التَّديُّن، ومنهم بسيطُ الفهم، وستدركُ أنَّ البعضَ لا تُسعفُه أخلاقُه أن يكونَ صاحبَ مُروءةٍ حتَّى في أوقاتِ الوِئامِ! * في (المرحلةِ الملكيّة) ستدركُ أنَّ التَّكيُّفَ معَ الظُّروفِ أحدُ أهمِّ أسبابِ السَّعادةِ، فمهما كانَت قسوةُ ظروفِك وصعوبةُ حياتِك، فلن تَندُبَ الحظَّ، ولن تلعنَ الظُّروف، بل ستتأقلَمُ مع ما لا يمكنُ تغييرُه، وسوف تسعى لتغييرِ ما يمكنُ تغييرُه!وأخيراً.. لماذا تنتظرُ مرحلةً عمريّةً معيَّنةً حتَّى تَنعَمَ بـ(المرحلةِ الملكيّة)؟!تمتَّعْ بمَزاياها وخُذ بها منَ الآن، فقليلٌ مِن دروسِ الحياةِ ما تأخذُه بالمجّان، والعقلاءُ هُم مَن يلتقطونَ الحِكمةَ، ويحاكونَ العُظماءَ، يتعلَّمونَ منَ تجاربِ الآخَرين، ويستفيدونَ من سماتِ القوانين.وأنا هنا أدعوكَ لاختصارِ الوقتِ وإعفاءِ النَّفسِ مِن مَؤونةِ التَّجارب، فلا تنتظِرْ أن يَتناهى بكَ السِّنُّ، وتُطوى مراحلُ الشَّباب، وتَبلغَ ساحلَ الحياةِ، وانعَمْ بـ(المرحلةِ الملكيّة) وأنتَ في ظلِّ الشَّباب، وربيعِ العمرِ؛ لتعيشَ حياةً فخمةً تليقُ بك! *النَّشاطقمتُ بشرحِ الخُطواتِ للأطفال مع إعطائِهم نماذجَ يمكنُ أن تواجهَنا في الحياةِ، وكيفَ لنا أن نتعاملَ معها؛ لنصل إلى (المرحلةِ الملكيّة).قمتُ بطبعِ تاجٍ على ورقةٍ، وقد أرفقتُ صوراً للتاج للطِّباعة.ثمَّ قصصته مع الأطفال، ولصقناه لتكوينِ التّاج، وقمنا بتزينِه.ثمَّ قمتُ بتتويج الأطفالِ كلَّما أعطوني الإجابةَ الصَّحيحةَ عن كيفيّةِ الوصولِ إلى المرحلةِ الملكيّة.وبعد النَّشاط قمتُ بتتويجِ الأطفالِ كلَّما تصرَّفُوا تصرُّفاً يدلُّ على أنَّهم وصلوا إلى المرحلةِ الملكيّة. وممّا وجَّهتُ الأطفالَ إليه لبلوغ (المرحلةِ الملكيّة): ١. عدمُ الجدالِ معَ أحد:مثالٌ للتَّتويجِ (أقومُ بتتويجِ الطِّفلِ الَّذي رفضَ الجدالَ مع أحدِ أفرادِ العائلةِ).٢. عدمُ التَّذمُّر:مثالٌ للتَّتويجِ (أقومُ بتتويجِ الطِّفلِ إذا ذهبنا إلى مكانٍ ما وعُدنا دونَ أن يتذمَّرَ؛ سواءً من طولِ الطَّريق أو من الضَّجّةِ أو من أحدِ إخوتِه …).٣. تَجاوُزُ الغِيبةِ والنَّميمة؛ فأنا أتجاهلُ من يُنقلُ لي كلاماً يُؤذيني؛ لأنَّي أعلمُ أنَّ أجري عند الله عزَّ وجلَّ:مثالٌ للتَّتويجِ (أقومُ بتتويجِ الطِّفلِ إذا لم يتشاجرْ مع أحدٍ؛ لأنَّه اغتابَه، أو نقلَ له كلاماً يُزعجُه عن أحدٍ ما).٤. عدمُ التَّطلُّبِ المفرطِ، والرِّضا بما لديَّ أو ما أملكُ.مثالٌ للتَّتويجِ ( أقومُ بتتويجِ الطِّفلِ إذا لم يتطلَّب كثيراً، أو إذا طلبَ شيئاً؛ فلم يُجادل ولم يُلِحَّ عليه عندما أخبرتُه أنَّه لا حاجةَ لنا به).٥. القناعةُ، فلا أشغلُ نفسي بما يملكُ غيري ولا أملكُه أنا:مثالٌ للتَّتويجِ ( أقومُ بتتويجِ الطِّفلِ إذا لم يقارنْ نفسَه بغيرِه من زملائِه، و أظهرَ القناعةَ بما لديه).(ومن الممكن أيضاً تتويجُ الطِّفلِ إذا كان يقارنُ بينه وبين زميلِه، ولكنَّه يتراجعُ ويحمدُ الله ويكفُّ عن الجدلِ عندما أذكرُه أن يحمد الله على ما لديه من النِّعم).٦. المسامحة:مثالٌ للتَّتويجِ ( أقومُ بتتويجِ الطِّفلِ إذا سامحَ أخاه أو أختَه إذا أساؤوا له).٧. حلُّ المشاكلِ والإصلاحُ:مثالٌ للتَّتويجِ ( أقومُ بتتويجِ الطِّفلِ إذا قام بحلِّ أيِّ مشكةٍ تواجهُهه حتَّى لو كانت صغيرةً، أو أصلحَ أيَّ خللٍ حدثَ معه؛ كي يعتادَ حلَّ مشاكلِه بنفسه).٨. زرعُ الحبِّ:مثالٌ للتَّتويجِ ( أقومُ بتتويجِ الطِّفلِ إذا لاحظتُ منه أيَّ موقفٍ يظهر فيه الرأفةَ أو الرحمةَ أو العطفَ لأيِّ أحدٍ كان، أو حتَّى لو كانَ لحيوانٍ في الطَّريق).٩. عدمُ الغِيبةِ والنَّميمة:مثالٌ للتَّتويجِ ( أقومُ بتتويجِ الطِّفلِ إذا لم يغتَبْ، أو إذا توقَّفَ عن الغيبةِ بعدَ تنبيهِه ليتركَها). ١٠. حمد الله عزَّ وجلَّ:مثالٌ للتَّتويجِ ( أقومُ بتتويجِ الطِّفلِ إذا قامَ بترديدِ “الحمد لله” في يوم ما، أو إذا تذكَّر موقفاً معيَّناً حدثَ معه فحمد الله عزَّ وجلَّ).هذه بعضُ الأمثلة، ومن الممكن طبعاً إضافةُ نماذجَ لها. كان هذا النَّشاطُ مفيداً للأطفال، وأتمنَّى من جميعِ الأمَّهاتِ تطبيقَه حتَّى نعلِّمَ أطفالَنا أنَّ الدُّنيا فعلاً لا تعدلُ جناحَ بعوضةٍ، وأنَّ علينا أن نرتقيَ بأخلاقِنا وبأفكارِنا؛ لنصلَ إلى “المرحلة الملكيّة”.ولنجعلَ أطفالَنا ملوكاً بأخلاقِهم، بدينِهم، بتصرُّفاتِهم، بتفكيرِهم، بحديثِهم، بأعمالِهم، لنجعلَ أطفالَنا ملوكاً بقلوبِهم وليسَ بمظاهرِهم.