الوقت

إنَّ أَخطَرَ موضوعٍ في حياةِ الإنسان هو موضوعُ الوقت، إنَّما الإنسان بِضْعَة أيام كُلَّما انقضى يومٌ انقضى بضعٌ منه!

اذا أحرقَ شَخصٌ ورقةَ نقودٍ من فئةِ عشرين دولاراً أمامَك فماذا سيكونُ انطِباعُك عن هذا الشخص ؟؟
مَجنون….؟!
مُبَذِّر……؟!
لا يَعلَمُ ما هي قيمةُ النُّقود….؟؟
سُبحانَ الله! ما بالُكُم بِنا نَحن !؟
نَعَم أنا وأنت!
كلَّ يوم نَحرِقُ دقائِقَ ودقائِقَ من حياتِنا على أتْفَهِ الأُمور.
إنَّهُ مترَِّكزٌ في أَعماقِ الإنسان أنَّ الوقتَ أثمَنُ مِنَ المال!
ولكنَّ العَديد منَّا يَتجاهل هذا الأمر.
مُعظَم النَّاس يَقضون أوقاتَهم لِغيرِ ما خُلِقوا مِن أَجلِه، يُضيعونَ أَوقاتَهم، ويَفرَحونَ بِمُضيّ هذهِ الأوقات، معَ أنّ هذا المُضيّ يستهلكهم، وسوف تكون هذه الأوقات الضائعة حسرةً عليهِم يوم القِيامة.
قال تعالى في سورةِ الذَّاريات:
((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ))

َالوقتُ وعاءُ عَمَلك، مَن استهَلَكَ وقتَهُ استِهلاكاً استِثمارياً سَعِدَ إلى أَبَدِ الآبِدين، ومَن أَتلَف وقتَهُ، أو ضَيّعَ وَقتَهُ، أو صَرَفَ وقتَهُ لِغَيرِ ما خُلِقَ لَه شَقيَ في الدُّنيا والآخرة.

عندما نَعرِف قيمةَ المال، ماذا نفعل ؟ نُحافِظ عليه، ونَسْعى إلى أنْ نَنْتَفِعَ بِه، وحينما نَعرِف قيمةَ الوقت أيضاً علينا أنْ نُحافِظَ عَليه، ولا نضيِّعَ ساعةً او دقيقةً مِنه ونسعى إلى أنْ نَنْتَفِع بِه.

الوقتُ الذي نَحنُ فيهِ الآن كَيفَ نَستَهلَكه؟
ماذا نَفعل به؟
نَنام أم نُصلّي؟
نَطلب العِلم أم نَطلب المُتعَة؟
نَتَحركُ فيهِ وفْقَ مبادِئِنا أم وفْقَ شَهَواتِنا؟
نُنْفِق الوقت فيما يُرضي الله أم فيما لا يُرضي الله؟
ّطريقةُ إنفاق الوقت تُحَدِد مَصيركَ الأبدي !!
فيَجِب أن نَنتَبِه إلى الوقتِ ويَنبغي أنْ نَعرِفَ قيمةَ الوقت! 
في الوقتِ تَطلُب العِلم، في الوقتِ تُعَلِّم العِلم، في الوقتِ تَعبُد الله، في الوقتِ تسْتَغفِره، في الوقتِ تَتوب إليه، في الوقتِ تَعمَل الأعمال الصَّالحة.

أحد العُلماء الكِبار مَشى في الطَّريقِ فَرأى مَقهىً، وفيهِ أُناسٌ يَلْعَبونَ النَّرْد، فقال: ” يا سُبحانَ الله ! لو أنَّ الوقتَ يُشتَرى مِن هؤلاء لاشْتريناهُ مِنهُم!”

أَكبرُ أَزمةٍ يُعانيها المُؤمن هي ضِيقُ الوقت، يتمنى أنْ يكونَ النَّهارُ خمسينَ ساعة، في بالِهِ أشياء ومشاريع كثيرة، وفي ذهنِهِ طُموحاتٍ عالية، ولكنَّ الوقتَ لا يسمح لهُ بِها!

عندما يُقسِمُ الله عزََّّ وجلَّ بشيءٍ مِن خَلْقِهِ إنَّما أقسَم بِهِ كي نَنْتَبِه إلى أهمِّيته وعَظَمَتِه، ومِن ِأجلِ أنْ يَلفِتَ الأنظارَ إلى قيمَتِه، وقد قالَ تَعالى في سورةِ العَصْر:
((وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ))

ِوقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في الحديثِ الصحيح:-
“لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ، وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ”

فما هو واجبُ المسلم تِجاهَ وقتِه ؟
١. الانتباهُ إلى قيمةِ الوقتِ و الحِرصُ عليه.
الحرصُ على أنْ تَستَفيدَ مِن الوقتِ، فهذا الوقتُ أثمَن شيءٍ تَملِكهُ، رأسُ مالِكَ الحقيقيّ، هو أنت، فأنتَ وقتٌ، فحينما تَستَهلِك ذاتك فيما لا جَدوى مِنهُ فأنتَ بذلك أشدُّ سَفَهاً مِن الذي يَحرِقُ مالَه.
هناكَ مَن يُطيلُ السَّهرَ فيما لا طائِلَ مِنهُُ، يُمكن أنْ تَسْهَرَ في طاعةِ الله، أوفي دعوةٍ إلى الله، أوفي عملٍ صالحٍ، أو في تدريبِ إنسانٍ، أمَّا السَّهَرُ فيما لا طائِلَ مِنْهُ ؛ في كلامٍ فارغٍ، أوفي غِيبَةٍ، أوفي نَميمَةٍ، أوفي لَعبٍ بالنَّردِ، اوفي مُتابَعةِ مُسَلْسَلاتٍ لا تَنتَهي، فهذا 
الذي يُنفِق الوقت بهذه الطريقة هوَ سَفيهٌ.

٢. تَنظيمُ الوَقت.
إنَّ لله عَمَلاً بالليلِ لا يَقبَلهُ بالنَّهارِ، وإنَّ لله عَملاً بالنَّهارِ لا يَقبَلهُ بالليل.
هناكَ أوقاتٌ للعبادةِ، وأوقاتٌ للجلوسِ مع الأهلِ، وأوقاتٌ للعمل، وأوقاتٌ لتربيةِ الأولادِ، وأوقاتٌ لطلبِ العِلمِ، وأوقاتٌ لتعليمِ العِلمِ، كلُّ هذهِ الأوقات يجب أن تُنَظَّم.
ِهناك أناسٌ يدخلونَ بيوتَهم بَعدَ الفَجرِ مِنَ المَلاهي، وهناكَ أناسٌ يدخلونَ بيوتَهُم بَعدَ الفَجر مِنَ المَسجِدِ، وشَتَّانَ بين هذا و ذاك!، فإذا كُنتَ في طاعةٍ فَينبَغي أنْ تَشكُرَ الله على هذه الطاعة، وإنْ كُنتَ في معصيةٍ فَينبَغي أنْ تَتوبَ مِنَ المَعاصي، وإنْ كُنتَ في نِعمَةٍ فَينبَغي أنْ تكونَ شاكِراً لها، وإنْ كُنتَ في ابتلاءٍ يَنبَغي أنْ تكونَ صابِراً.
ُلقد سَبَقَ وذَكَرتُ عَن كَيفيةِ تَنظيمي للوقتِ في نشرةِ لوحة العائلة وإنْ شاءَ الله سَأضع رابط نشاط لوحة العائلة في أولِ تعليقٍ على هذه النَّشرة.

ِ٣. مُحاسَبةُ النَّفس
في كلِّ لَيلَةٍ حاسِبْ نَفسَك!
كيفَ قَضَيتُ اليوم؟
ماذا أَنْجَزتُ؟
هل قَضيتُ وقتي بما هو مفيد؟
هل ضَيّعتُ وقتي؟
كيفَ يُمكنُ أنْ أسْتَغلَّ وقتي غداً؟

ِ٤. تَربيةُ النَّفس على عُلوِّ الهِمة.
ِسَبَقَ وكَتبتُ عن الهِمَةِ وسَأضَعُ رابط الموضوعِ في ثاني تعليقٍ على هذهِ النَّشرة.

٥. الصُّحبةُ  الصَّالحة.
يا الله كم للصُّحبةِ تَأثيرٌ على حياتِنا، وصَدَقَ المَثَلُ القائِل بأنَّ الصَّاحِب ساحِب!
ُهناكَ فَرقٌ كَبيرٌ بينَ صاحبٍ يَسألُ صَديقَهُ الذَّهاب مَعهُ إلى المَقهى وبينَ صاحبٍ يَسأل َصَديقَهُ الذَّهاب معه ُإلى المَسجِدِ. أو بينَ صديقةٍ تزورُ صديقَتها لِشُربِ القَهوةِ والتَّحَدُّث  في أعراضِ النَّاس وبينَ صَديقةٍ تَزورُ صَديقَتها ليُعلِّموا الأطفال أو لِعمَلِ مشروعٍ مفيد.

***عن المرءِ لا تَسأل وسل عن قرينه
فكلُّ قــرينٍ بالمقارَنِ يَقتَدي* * *

٦. مَعرِفةُ حال السَّلَف الصَّالح مع الوقت.
ُّّعاشَ الإمامُ النَّووي رَحِمَهُ الله أقلَّ مِن خمسين سَنَة، وتركَ فيها العَديد مِن الكُتُبِ، وكل هذه الكتب فيها بَركاتٌ للعالمِ الإسلامي لا يَعلَمُها إلا الله ، ونادراً ما تَجِد بيتاً أو مَسْجِداً بأنحاء العالم إلا ويَنتَفِع بهذه الكتب!
فماذا فعلنا نحن بأوقاتنا؟؟!
سبحانَ الله الوقتُ الآنَ يُستَهلَك أبشع استهلاك!فكَم منّا يُضيع أوقاته أمام التلفاز أو في زياراتٍ تافهة أو غِيبةٍ ونَميمة….

٧. تنويعُ ما يُستَغَلُّ به الوقت
علينا بالتنويعِ في كيفيةِ استغلالِ الوقت فكلَّما نوَّعتَ العمل الصَّالح صرت أقدَر على الاستفادة من الوقت، وعلى كلِّ شخص أن يكون حَكيم نفسه!
إنَّ للنفس إقبالاً و إدباراً، فإنْ أقبَلَتْ فاحمِلها على النَّوافل، وإنْ أدْبَرَتْ فاحمٍلها على الفرائٍض.

٨. الاعتقادُ الجازمُ أنَّ ما مضى من الوقتِ لن يعود.
إنَّ ما مضى من الوقتِ فات، والمؤمَّل غَيب، ولك السَّاعة التي أنت فيها.
الإمام الحسن البصري يقول:” ما مِن يومٍ ينشَق فجره إلا وينادي: يا بن آدم أنا خلقٌ جديد، وعلى عملِك شهيد، فتزَوَد منّي، فإني لا أعودُ إلى يوم القيامة “.
والإنسانُ ينبغي أنْ يتذكَّر ساعةَ الموت، فأشدُّ شيءٍ على النَّفس فراقُ الدنيا، فإنْ ذَكَر فراق الدنيا حرص على وقته، والنبي عليه الصلاة والسلام علَّمَنا فقال:
“صلِّ صلاة مودِّع”

٩. التَّذَكُر بأنَّ كل إنسان سيُسْأَل عن وقتِه يوم القيامة بِكُلِّ تفاصيله.
قال تعالى في سورة الكهف:
((وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً))
علينا أنْ نتَذَكَّر أنَّه سوف نُسأل عن وقتِنا يومَ القيامة بِكلِّ تفصيلاته، “عن عُمرهِ فيمَ أفناه؟ وعن شبابه فيمَ أبلاه ؟”
فاذا تَذَكَّر كلٌ منّا وقوفَه أمامَ الله عزَّ وجلَّ فسوف يُعَظِّم ما هو فيه من الفُسحةِوالوقت.
لنا حقوقٌ وعلينا واجبات ولا يجب علينا أن نتهاونَ في دقيقةٍ واحدةٍ من وقتِنا وإنَّما علينا أن نَسْتَغِلَّ هذا الوقت فكلُّ واحدٍ منّا بأيِّ لَحظةٍ مُمكن أن يغادرَ الدنيا، فهل هيَّأتَ نفسك؟

النشاط:-
ٍعلينا أن نُعَلِّمَ أطفالَنا قيمةُ الوقت وكيفيةُ استغلالِه فمِنَ المُؤسِف أن يَقضي طفلٌ ساعات وساعاتٍ أمام الإلكترونيات وأن لا يجد ٥ دقائق لفريضةِ الصلاة او لحفظ ِكتابِ الله عز وجل ومن هنا قُمتُ بالنَّشاط التالي
على كرتون مُقَوَّى رَسَمنا ساعة ومن ثم ألصَقنا ملاقِط غسيل عند كُلِّ رقم ومن ثم حدَّدْنا واجباتٍ لِكلِّ طفل وبدونِ شكّ الواجباتُ ستختلف من طفلٍ لطفلٍ ومن عُمرٍ لِعُمر فكلما كَبُرَ الطفل كلما زادت واجباته.
ِعلى الأم تحديدَُ الواجبات مع أطفالها ثُمَّ كِتابتها على ورقةٍ ومِن ثُمَّ تعليقُها على الساعة حتى يَتَذََكر الطِّفل متى يَجِبُ عليهِ القيام بِواجِباتِه.
بالطَّبعِ على الأُم تَذكير الأطفال القيام بأداءِ واجباتهم